هذه الحادثة ستظل لعنة تُطارد الفاسدين المتاجرين بدماء هذا الشعب وقوى الحصار والعدوان الخارجي .………

شبكة المدى/قضايا ومجتمع - من صنعاء عبد الكريم المدي: 

حادثة مرعبة في إحدى المدارس، تُفتتُ الجبال وتُدمي القلوب..
تفاصيلها:
في حادث وموقف إنساني يبكي القلوب قبل العيون.. ترتعش أمامه أكتاف وأفئدة كل من يحمل بقية من ضمير حي وقيم لها صِلة بالرحمة والإنسانية والدين..

الأستاذ /الأب "أحمد صالح شوقي صلاح" أحد معلمي مدرسة "الأمل" بالعاصمة اليمنية صنعاء سقط صباح يوم الأربعاء بين زملائه وطلابه أثناء طابور الصباح، الذين لم يصدقوا بأن وجع جوع أطفاله الذين تركهم خلفه سوف يُسكت قلبه إلى الأبد، فيما أحباؤه كانوا يعدون الثواني بإنتظار من لن يأتي أبداً، يمنّون النفس علّ وعسى يأتيهم ومعه ما يُخفف من عواصف وأصوات أمعائهم الخاوية منذُ أيام .
الأستاذ الشهيد "أحمد صلاح"، الذي ودّع أطفاله صباحاً بدموع وقلب نازفين، لم يكن يُدرك ما يُخفيه القدر له، بأنه لن يلتقيهم أبداً، ولم يكن يعلم - أيضا - من سيمدّ لهم يد الرحمة والعون..
هذا الأستاذ الشهيد، واحد من عشرات الآلاف من الآباء الذين يعجزون اليوم وعجزوا بالأمس عن إطعام أطفالهم..
وواحد من عشرات الآباء الذين يموتون كمدا أمام قِلة حيلتهم التي تجعلهم غير قادرين على إطعام أطفالهم أو معالجتهم أو منحهم لحظات آمنة، وضحكات عابرة.
والأستاذ الشهيد "صلاح"، واحد من عشرات الآلاف من المعلمين والموظفين الذين تقطعت بهم السُّبل، بعدما أنقطعت رواتبهم ومصادر قوت أطفالهم الوحيدة منذُ ما يزيد عن العام، بسبب فساد متوحش وسياسات عرجاء، وحصار وعدوان خارجي وداخلي لا يحسّ بأحد ولا يفرق بين أحد من الناس، أعمى الله بصره وبصيريته.
والأستاذ الشهيد، أحد ضحايا هذا الزمن الرديىء ذهب إلى المدرسة وقلبه وفكره وروحه ومشاعره في البيت عند فلذات كبده المحاصرون بين الجوع وجدران البيت الفارغ من كل شيء إلا من التنهدات وأشباح الجوع والذُّل، يُصارعون الموت.. لا يدرون كيف يواسون أنفسهم أو أبيهم الذي كانت مأساته أكبر من أي مساحة صبر أو مواساة، حيثُ لم يتحمل معها ما يجري، ولم يتحمل - أيضا-  أن يعود إلى البيت بيدين مرتعشتين فارغتين كما هو الحال كل يوم، لذلك تمزّقت نياط قلبه وسقط مضرجاً بالأسى والحزن والإنكسار ..
هذه الحادثة وغيرها ربما الآلاف ستظل لعنة تُطارد الفاسدين وقوى الحصار والعدوان الخارجي وكل المتاجرين بدماء هذا الشعب..
وهذه الحادثة التي تفجعنا جميعا من القادم ، وتُخيفنا جميعا من هذا الواقع، وتهزمنا وتُديننا جميعا في كل زاوية بحاجة إلى وقفة جادة، أمام أسبابها وفي مقدمتها المشاريع البلهاء، والفاسدين المنحطين المحنّطين أينما كانوا وخلف أي أقنعة تخفوا.
وهذه الحادثة لا يجب أن تُنسى بعد دقائق من سماعها أو قراءتها، بل يجب أن توخز الضمائر المخدرة، وتُحاكم البطون المتعفّنة بالفساد وآكلي السُحت وأقوات الناس وقلوبهم وأحلامهم ..و يجب أن تكون حداً فاصلاً بين المبالاة واللامبالاة، بين الحقائق والأوهام..
بكل مقدسات الإسلام، بشرف المواقف النبيلة ورحمة بالمساكين، رحمة بنا، تقديراً لنا ولصمودنا ووفائنا وصدقنا وعطفاً على أطفالنا، أوقوفوا هذا الفساد والنزيف.. هذا الموت.. هذا العار والبؤس والإنهيار الإجتماعي غير المسبوق في كل قيمة وفضيلة ومعنى..

اعيداوا للناس الأمل بالحياة وبأنكم تنتمون لهم وتشعرون بهم وتعملون لأجلهم، وتنصرون الله بهم وفيهم وتنصروهم إلى الله..
أصرفوا حقوقهم، أبحثوا عن حلول، ولا تتحدثوا باسم الله بعد اليوم، لأنه بريىء منكم، من كل فاسد وظالم ومتسلّط ولص وإنتهازي وابتزازي
خاطبوا العالم كي ينهي هذه الأزمة القذرة والعدوان السفيه، والحصار الدنيىء.. اليمن تموت.. اليمن تحتضر.. هل يسمعنا أحد؟
عبدالكريم المدي
 
Top