ما الذي دفع "أحمد" وبقناعة كليّة لانقاذ "رمزي" 14 عاماً في عُمان قادماً من اليمن دون أدنى إمكانيات يملكها؟
هل هي معرفته بمتسع قلب عمان وغيرة أهلها لليمن واليمنيين جرحى ومرضى وآخرين؟
أم ثقته بالطب العماني فقط? أم هي أمور كثيرة دفعته لاتخاذ عمان حضناً آمناً ككل?! توضح هذه الاستفسارات الباحثة والكاتبة لسان الخير والإنسانية صاحبة لقبين أثنين الأول سيدة الوطن العربي من عمان، والآخر لقب "سفيرة الإنسانية والسلام" من وطنها اليمن، تنقل في أسطرها التالية الموقف العماني بشعور قومي وطابع يمني، نتابع معاً ….…
شبكة المدى/ بقلم/ د.غالية عيسى:
رمزي يبلغ من العمر 14 عامًا، جاء من اليمن حزينًا مُتعبًا، يحمل في روحه رماد الحرب، وبعض صمامات مغلقة في قلبه الصغير حجمًا والكبير أملًا وحبًا.
ما الذي جعل "أحمد" أخ رمزي الأكبر يفكر في عُمان لإنقاذ أخيه الصغير؛ رغم أنهُ يعلم أنه قادم بلا أدنى إمكانيات يملكها؟
هل هي الثقة بأرض عُمان وأهلها الطيبين؟
أم أنه بنى قرارهُ بالسفر إلى مسقط على أفعال سابقة جادت بها عُمان على جرحى اليمن ومَرْضاها؟
عمانُ التي تحاول أن تُصلح ما أفسدَ العطار.
عُمانُ الذي تطبب جروحنا وتُطعم جوعانا وتحاول أن تنقذ ما تبقى من أرضنا بسعيها الدائم إلى تحقيق السلم والسلام في اليمن.
آهٍ ياعمان ! لقد توغلتِ في قلوبنا حبًا عميقًا وبلغتِ مكانةً عظيمةً في أفئدتنا حتى صرنا نشعر بالامتنان إلى حد الخجل من مواقفك النبيلة اتجاه اليمن واليمنيين، وصرنا نفكر بأي طريقة يمكننا رد الجميل وكيف نستطيع أن نرد لكِ جزاء صنيعكِ الكبير .
يبدو أن عُمان تؤمن بالمثل الصيني الذي يقول: " إنك إذا أردت أن تزرع ليومٍ فازرع قمحًا، وإذا أردتَ أن تزرع لسنةٍ فازرع شجرة، وإذا أردت أن تزرع لمئة سنة فازرع إنسانًا"
وقد زرعت عُمان بنا أسمى مشاعر الإنسانية، وهي المحبة التي سنورثها لأبنائنا وأجيالنا؛ ليعلموا من زرع لأبائهم القمح والشجرة والإنسان، في الوقت الذي حصد الغدر من أعمارهم وأرزاقهم وثرواتهم، وسارت بهم الحادثات والنوائب إلى مستقبلٍ مجهول.
فنعمَ الزرع وحُسن الصُنع يا عُمان !
أتصل بي أحد الأصدقاء من الشعراء اليمنيين يخبرني أن رمزي سيصل إلى عُمان بعد أيام، وأنه بحاجة إلى عملية قلب عاجلة، وأنه ليس لديه أحد في عُمان إلا أنا بعد الله تعالى، وأنا كعادتي أحاول أن أسعى بما أستطيع لإصلاح ما أفسدَ العطار - تعلمتُ من عُمان معنى الحب والخير والعطاء، وكيف لا وأنا أسكنها وتسكنني منذ سبعة عشر عامًا أو يزيد-.
أعطيت زميلي الشاعر رقم هاتف الرجل الإنسان الذي أعتمدُ عليه بكل ثقة في كل عطاء إنساني، راعي اليمنيين في مسقط" يده الخير وروحه النور" سفير السلام أخي الطيب جدًا حسن الشرماني، وهو الضوء الذي يهتدي به أغلب المرضى اليمنيين في مسقط، يحاول جاهدًا مساعدة الضعفاء والمرضى في مسقط؛ رغم تعثره ببعض الصعوبات؛ لكنهُ يحاول من خلال السعي لهم عند الجمعيات الخيرية الحكومية والمستقلة.
أذكر هنا فريقاً تطوعياً من شباب عُمان الأنقياء يسمى: "فريق الأيادي البيضاء" الذي أنشأ في ظفار الخير، والذي يترأسه الأخ الكريم الكاتب خالد الشنفري، ويديره بنبل ونزاهة وتواضع ورُقي الدكتور سالم الجحفلي حفظهما الله.
يقوم الفريق على جهود شبابية لجمع التبرعات لصالح المرضى اليمنيين، وفي رصيد الفريق الكثير من الحالات المسجلة لمساعدة المرضى اليمنيين في عُمان، حتى أن الفريق أصبح يعاني من بعض الديون للمستشفيات بسبب كثرة المساعدات الذي قدمها لمرضى القلب والسرطان وغسيل الكلى وغيرها من الأمراض، أعاذكم الله ونعمكم بموفور الصحة وتمام العافية.
ولا أنسى أن أذكر الهيئة العمانية للأعمال الخيرية متمثله برئيسها وبعض موظفيها، وما تقوم به من دور إنساني عظيم اتجاه اليمن منذُ سنوات طويلة.
بالإضافة إلى حملات الإغاثة التي ينظمها بعض المتطوعين من أبناء عُمان الطيبين من محافظات السلطنة كافة؛ لإيصال المساعدات الغذائية والطبية إلى محافظة المهرة بشكل مستمر.
وفيما يتعلق بحالة رمزي فقد واجهتنا صعوبات كثيرة في بادئ الأمر، حاولنا من أجل تجاوزها اللجوء إلى السفارة اليمنية في مسقط؛ لكن فاقد الشيء لا يعطيه، فتبعات الحرب تصلنا حيث نكون، وموظفو السفارة من فترة طويلة يعانون من انقطاع رواتبهم وقلة إمكانياتهم .
بجهد فردي قام به سفير المرضى اليمنيين الأخ العزيز حسن الشرماني - من خلال الجهد الدؤوب في التواصل مع الجمعيات الخيرية- ، إذ أنه لم يترك بابًا إلاَّ وطرقه، حتى نجح أخيرًا في الحصول على موافقة "جمعية جسر الخيرية" الذي تكفلت بعلاج رمزي وتطبيبه، جزاهم الله كل خير.
لكن المشكلة التي تؤرقنا دائمًا، هي مشكلة السكن بعد الخروج من المستشفى، إذ أن المريض يحتاج إلى فترة مراقبة وتطبيب مدة لا تقل عن شهرين بعد العملية؛ لذلك نتعب كثيرًا في توفير السكن اللازم، وهنا أذكر أستاذنا الأخ الدكتور عبدالله السقاف الذي تعاون مشكورًا في تقديم غرفه فندقية لرمزي وأخيه منذ أكثر من ثلاثة أشهر على نفقته الخاصة.
*ماذا عن عملية رمزي وهل هو بخير الان ؟*
الطبيب جزء كبير من العلاج، روحه وقلبه قبل يده .
أتكلم هنا عن الطبيب الماهر الذي عرفهُ المرضى والأطباء بذكائه ودقته في أداء عمليات القلب، إنه " الدكتور عادل الكندي" الذي تتبع حالة رمزي خطوة بخطوة وهو من قام بالعملية التي -وبحمد الله- بلغت نسبة نجاحها مئة بالمئة تقريبًا ، وقبل ذلك كان يشعر بأن رمزي أحد أخوته وليس مريضًا فقط، فقد كان يبث فيه وفي الجميع روح الاطمئنان قبل العملية، وكنا نستشعر اهتمامه ونبله وإخلاصه في عمله، حتى أننا صرنا لا نسأل كثيرًا عن حالة رمزي؛ لأننا مطمئنون تمامًا أنه بين أيدٍ أمينة ومتقنة لعملها في آنٍ .
أحمدُ الله على سلامة رمزي وأدعو الله أن يحفظ عُماننا الغالية من كل سوء وأرجو من الله العلي القدير أن يسدد خُطى هذا البلد لمافيه الخير لأهلها سلطانًا وشعبًا وحكومةً وأرضًا .
وأن يلهمهم سُبل الرَّشاد،
وأن يحفظ بلادهم آمنة مستقرة هانئة مطمئنة لا تشكو من بأس ولا عثرات في ظل تكاتف شعبها وحكومتها الرشيدة .
ورحم الله معلمها الأول وباني نهضتها.
غالية عيسى
2021_4_4
إرسال تعليق